15‏/06‏/2014

التحرش اول قضايا الرئاسة


لا يخفى عن الكثير ما حدث يوم تنصيب الرئيس الجديد من حادثة تحرش ليست الاولى من نوعها و لكنها لاقت انتشارا اعلاميا مكثفا كاى حدث يقع في وقت لا يجد فيه الناس ما يثيرهم للتحدث عنه ، و بما انه لم يكن بالوقت المزدحم بالموضوعات المثيرة اهتم الاعلام كثيرا بتلك الواقعه و سلط الضوء عليها ، برغم من انها ليست الاولى و لن تكون الاخيرة و ليست الاكثر فظاعه و تطاولا  و انما هذا ما تم الاعلان عنه او تسليط الاضواء عليه ، في حين تجاهل الاعلام الكثير من الحوادث المشابهه في فترات سابقه او سلط ضوئه عليها بحسب تيار الاثارة الذي يتبعه لجذب مشاهدين بؤساء يسيرون وراء موجات الاعلام اينما ذهبت ، البعض يعلم ان حوادث التحرش التي انتهت باغتصاب ليست بالقليلة و لكن القليل هو ما تم الاعلان عنه ، و كانت تلك الاخيرة من نصيب الرئيس الجديد لتكون اول القضايا التي تتحرك الرئاسة من اجلها ، و كانت خطوة جيدة من الرئيس بزيارته الضحية ، و لكنها ليست كل شيء ، هي فقط للتعبير عن ان الامر لم يتم تجاهله او اعتباره كانه لم يحدث مثلما كان رد فعل الرئاسة في الكثير من القضايا المشابهه او قضايا اخري ولا يتم حتى الاشارة عنها و كانها حدثت في بلاد اخرى ليس لنا شان بها ، ظنا منهم ان ذلك قد يحل مشكلة او يسكنها او حتى يجعل الراي العام يسكت عنها و يتجاوز ، و لكن ذلك لم يحدث في كل مرة ، لابد ان تعلم الرئاسة جيدا ان الحل لا يكون بالتجاهل او بزيارة ضحية في المستشفى و ينتهى الامر ، لم يعد سيناريو " الرئيس لا يعلم اي شيء عن هذا و ان من حوله يضلونه و يخفون عنه الكثير مما يحدث في الشارع و ما يقوله الناس " ذلك صالحا الان ، هذا كان يصلح في الماضي ايام السلاطين في قصورهم الفخمة بعيدا عن ازقة البيوت العشوائية و ما يحدث داخلها و من داخل تلك القصور من هم يفتعلون الاخبار ليسروا عن السلطان وقت فراغه ، الان لم تعد حواجز و لا يحتاج الرئيس لمن يخبره بما يحدث و ما يعلمه الناس ، يستطيع ان يتابع كل ذلك و يتفاعل و يتحدث مع الشعب دون ان يغادر غرفته ، فرجاء كفى ترديد تلك الجملة العقيمة التى تدل على ضحالة قائلها ان الرئيس لا يعلم شيئا ولو علم لتبدل الامر .. فقد سئمنا منها حقا  ، لابد من حلول جيدة و فعالة مهما كانت المشكلة تبدو ضئيلة او عابرة بالنسبة لهم ، و لكن اي حل سيتخذونه بشان القضايا الحساسة بالنسبة للكثيرين .
        ابدى الكثير من المفكرين و المشاهير و الشخصيات البارزة بارائهم في حل تلك الظاهرة على حسب تعبير البعض ، فظهرت لنا اراء كاخصاء المتحرشين او اعدامهم و الاخر كان يري ان الحرية الجنسية هي الحل و الكثير من الاراء الاخرى التى لا تخفى عليكم ، و لكن الذي خفى على الكثير ان التحرش ليس مرض ظهر فجاءة في المجتمع بغير سابق او سبب واضح ، انما هو عرض لمرض او عدة امراض موجودة بالفعل في المجتمع و لم يتم علاجها ، مثلما يمرض احدنا بمرض ما و تكون من اعراض ذلك المرض صداع و قيء مثلا ، فهل يعالج الطبيب الصداع و القيء فقط ام يبحث عن المرض المسبب لتلك الاعراض لينهي الامر و حسب ، كذلك ما نحن بصدده من عدة مشاكل موجودة كالتحرش و غيرها التى هي اعراض لامراض نتغافل عنها او ندير وجهنا و نمضي لان الحديث عنها لا يرضينا و لا نصل فيه الى شيء ذو قيمة ان تحدثنا عنه اصلا بشكل حضاري و عقلاني .
        اذا نظرنا عن كثب للتحرش خاصة سنجد ان دوافعه اختلفت باختلاف انواع المتحرشين في الشارع و العمل بل و يمتد الي التحرش داخل العائلة .. ! نعم .. قد تستبعد ذلك الامر في البداية و لكن لابد ان تصدق وجوده فهو موجود بالفعل و لا تغتر بقلة الاخبار المتواترة عن ذلك ، فقد نشات الفتاة المصرية على كتمان هذه الامور خوفا من عدة امور قد تترتب على عدم كتمانها و لن تنال حقها في النهاية ، لانها مقهورة و يسعى الجميع لاخراس صوتها في المجتمع ، و لان اغلب الفتيات نشأن و تم اعدادهن من صغرهن على انهم مشروع زواج سيتم في يوم ما غير معلوم فكان لابد لها من المحافظة على نجاح هذا المشروع ليس من اجلها فقط و لكن من اجل عائلتها التي لا تري فيها غير سلعة زواج لابد ان يرتفع ثمنها كل يوم ، على الجانب الاخر تجد اختلاف ثقافة انواع المتحرشين تحيرك و تجعلك لا تستطيع تحديد دافع واحد محدد لما يفعلونه طوال الوقت اذا حانت لهم فرصة او شبه فرصة لذلك ، لكنك ان امعنت التفكير ستعلم انه لا يوجد سبب واحد يدفع كل هؤلاء ، انما هي عدة دوافع تختلف بحسب كل ثقافة و كل شخصية منهم ، ببساطة ان كان رايك ان الكبت الجنسي احد اهم دوافع التحرش فما مبرر الاطفال الذين يتحرشون و الرجال المتزوجون اكثر من واحدة ، بل ستجد ان اغلب المتحرشين يستطيعون ممارسة الجنس بطرق شتى غير التحرش لا تخفى عليك اغلبها ، و تستطيع القياس بالمثل على اغلب الاراء في دوافع التحرش ، ستجد ان بعضا ممن يتحرش بفتيات الشارع لا يقبل ان يتحرش بجارته او بنت من منطقة سكنه و على النقيض ستجد من يتحرش بفتاة من عائلتة باختلاف صلة القرابة ، و من يتحرش بزميلة عمله او مرؤسته التى قد يمتد ذلك الى استغلالها او التلاعب بها لاغراضه الشخصية الدنيئة ، الامثلة كثيرة ان تحدثنا عنها سيطول الحديث فهذا الامر تشعبت جذوره بشكل مخيف ، و الاكثر رعبا من ذلك ان الجميع يعلمه ولا يحرك فيه ساكنا انما يغض الطرف عنه و يمضي غير عابئا بما قد يناله بعد ذلك .
        اذا التحرش غير محدد بدافع محدد انما هو عرض لامراض اخري موجودة في المجتمع ، لم يعد التدين رادعا لاحد فقد فقد الكثير ايمانهم العميق و ان تظاهر الكثير بتدينهم العميق و لم تعد النخوة و المروءة رادعا فقد اصبح الناس تري التحرش بام اعينها و لا يسعهم الا الضحك و الاستمتاع بالمشاهدة و ان كان اكثرهم مروءة تحركا من يتحدث مع الضحية لتهدئتها و التخفيف عنها بدلا من البطش بالمتحرش نفسه ، اكثرهم يخرج لك بمبررات واهية للمتحرش اولها  ان ملابس الفتاة غير لائقة حتى تصل الى من يقول لك مكان الفتاة بيتها ولا يجب ان تخرج الا مع من يرعاها ، ستصدمك كم المبررات الواهية التى لا تدل الا على ضحالة فكر و تخلف مجتمعي و غياب وعي و ثقافة حضارية ، المجتمع قد نخر السوس في عقله و دقت كل اجراس الانذار التى تقول بان الهاوية قد باتت وشيكة حتى تمزقت تلك الاجراس و ملت التحذير و بات الناس تائهون في السبل للنجاة .. لمن ادرك منهم الخطر .
        اذا هناك امراض عدة متفاوتة اهلكت المجتمع و اقعدته عاجزا ، هناك هدفا غائب لا احد يسعى اليه فالكل فقد اهدافه السامية و اصبح هدفه كهدف اي حيوان شارد في البرية من اشباع رغباته اليومية الفانية ، هناك حلما ضائع لا يسعى احد لتحقيقه فقد اصبح لكل واحد حلمه الخاص الذي يعيش فيه ولا يتحرك لتحقيق ايا منه انما هو قد اعجبته تفاصيل ذلك الحلم المستحيل فليس لديه اي نيه في اتخاذ اي خطوة لتحقيقه ، هناك دين عاجز عن التواصل مع يوميات الانسان المعاصرة و كل محاولات رجاله بائسه لاستعادة من ترك حقل الدين و ذهب يبحث عما يحقق متطلباته و يكون اقرب لما يواجهه كل يوم من تحديات جديدة لم تكن موجودة من قبل و لا يجد حلا شافيا عند منابر الدين الا اقوالا خطابية مفوهه حفظتها الاذان من عقود مضت و لم يتغير فيها حرفا ، هناك فراغا قاتلا قد غرق فيه الناس حتى النخاع ، فراغ فكري و ثقافي و حضاري ، فراغ في كل شيء و ان كان اليوم مزدحما بالاعمال الروتينية اليوميه التى لا تفعل شيئا الا تحويل صاحبها الى آله مبرمجة لتكرار نفس الاعمال بروتينية اكثر غباء من الالات الميكانيكة ، و هناك ايضا طاحونة الحياة القاتله التى لا تنتظر احدا يلملم اوراقه و يعد نفسه لمواجهتها و لا تكترث لكل ما سبقها من امراض  نهشت في ضحاياها من قبل ان تلقاهم و لن تنتظر احدا و الجميع يهرول خوفا من ان تدركه تلك الطاحونة صاحبة الانصال الحادة المتشعبة .
        اذا وصلت لهذه النقطة و مازلت تسال عن الحل ، فانا حقا ااسف لانه لم يصلك اى شيئا مما قراته ، لم يعد هناك حلا منفردا لمشكلة يعاني منها المجتمع ، لم يعد هناك مجالا للتصدي لكل مشكلة على حدى ثم النظر الى ما يليها من مشاكل ، لابد من حلولا شاملة لاغلب امراض المجتمع المتفشية ، الظاهر منها و الباطن الذي يعلمه الجميع و يغضون الطرف عنه ، هذا المجتمع لن يتعافى بحل مشكلة واحدة و انما لابد ان تتضافر جهود ابنائه للتصدي لما يواجهه من كافة المنغصات و المعوقات التي تقف في طريق تعافيه و استعادة قوته و ازدهاره و ان طال الامد .. و الان بعد ان كان التحرش احدى اجراس الانذار للرئاسة الجديدة ، فهل ستستمع للصوت المحذر ام ستتبع نهج سابقيها و تخوض في امور هامشية لا تعالج ايا مما يعاني منه الوطن ، و ايها ستكون اول قضايا الرئاسة ؟ 

04‏/03‏/2014

Artificial Society

المجتمع الاصطناعي .. تلك هي الترجمة الحرفية لعنوان المقال ، لكنه ليس فقط عنوان انما هو واقع نعيشه و لا ندرك حقيقته المطلقة بعد ، لكنه يؤثر فينا دونما ان نشعر او اننا نرى و نشعر و لكننا لم نعد نتحقق جيدا مما نراه و لا نستوقف انفسنا عند احساسنا بعدم منطقية ما نراه او اننا اعتدنا على عدم المنطقية فتبلد احساس نقد العقل الباطن فبتنا لا ننكر عدم المنطقية و احيانا تصبح هي المنطقية ذاتها بالنسبة لنا و يصير ما هو منطقي في الاساس هو غير منطقي لنا ، في البداية اود طمأنتك ان كان قد اصابك شيئا من الريبة او القلق من السطور السابقة ، فليس كل شيء مصطنع و غير منطقي ، تستطيع العثور على ما هو منطقي و لكنه شبه حقيقي ، ستجده فيما هو مصطنع ..!  
اعلم انك قد تشتت بما يكفي خلال السطور السابقة ، لكن لا تحاول ان تفسره الان انتظر حتى النتهاء من القراءة ثم اعد قراءة تلك السطور ، هل شعرت من قبل بعدم ارتياح لاحدهم اثناء حديثه معك لاول مرة او ثاني او ثالت و لم تجد اي سبب لعدم ارتياحك سوى انه شعور داخلى ، هل شعرت بذلك ايضا عند دخولك احد الاماكن ، مكتب مدير ، عيادة ، قاعة استقبال في شركة ، مقهى راقي ، مكان عام او ما تزوره من اماكن خاصة ، اذن فلنعكس الامر الان ، هل شعرت بارتياح لشخص او مكان او منظر ما لا لشيء محدد سوى انك شعرت بذلك و كفى .. ان ارتياحنا لشخص ما او عدمه هو ناتج من الاشارات الخفيه التي يرسلها لنا الشخص دون ان نشعر فمثلا ان كان عاقد ذراعيه امام صدره يرتدي ثيابا و قد اختلطت الوانها في عدم تناسق و لا ينظر لعينيك كثيرا و حين ينظر فيها لا يطيل  و لكنه يتكلم معك بطريقة طبيعية جدا ولا شيء في حديثه يبعث الضيق فيك ابدا و لكنك تشعر بالضيق بالفعل من ذلك الشخص ، ذلك سببه ان اشاراته الخفيه كانت سلبية بالنسبة اليك ، فكونه عاقدا ذراعيه فقد ارسل لك اشارة سلبية دون ان يشعر بانه يرفض اي شيء قادم من تجاهك نحوه و قد وضع ذراعيه كحائل و انغلق به على نفسه و بالتبعيه فلن تستطيع استقبال الكثير منه لكونه منغلق خلف ذراعيه و دون ان تشعر استقبل عقلك الباطن تلك الرسالة و ترجمها لشعور ، عدم تناسق الوان ثيابه جعلك تتشتت ولا تعرف كيف تصنفهم جميعا في شعور واحد فلكل درجة لون انطباع شعوري داخل الانسان يتفاوت  بتفاوت درجات الالوان و عند جمع المتناسق منها يعطيك شعور مزيج ما بين تلك الدرجات تستقبله بسلاسة ، لكن عند جمع درجات لونية غير متناسقه فان الانطباع بداخلك يضطرب تماما في تحديد الشعور الطبيعي و يعطيك شعور نهائي بعدم الراحة ، عدم نظره المباشر لعينيك اغلب الوقت يفقدك الاتصال البصري به مما يكسر الكثير من الروابط النفسية لاستقبال مشاعر معينة ، كل تلك التفاصيل الصغيرة و غيرها تعطيك شعورا نهائيا اما بالراحة او عدمها فيكون احساسك النهائي ، كذلك الامر في الاماكن فكل تفصيلة في المكان ترسل لك اشارة خفية تترجمها بداخلك ، فكل مكان له روحه الخاصة بتفاصيلة الدقيقة ، تذكر احساسك يوم ان زرت احدى الاماكن الاثرية التي لم يطولها يد العبث البشري للانسان المعاصر ، انا متاكد تماما ان اجابتك ستكون ان احساسك كان الراحة الغير مفهومة بالنسبة لك ( ذلك ان لم يعكر عليك اي حدث عارض في تلك الاثناء ) راحة عجيبة تتسلل اليك تستشعرها طالما انت موجود في اي من تلك الاماكن ذات الرسائل الخفية الصريحة ، فكل تفاصيل المكان متناسقة تماما مع جاراتها و مترابطة معا لتكوين الشكل النهائي للمكان ، ان تكون متناسقة و متكاملة و مترابطة و ناتجة لرسالة واحدة محددة تعطيك شعورا خاصا يحمل روح المكان الخاص ايا كان كل حسب نوعه و رسالته يعطيك الشعور الخاص به عما سواه ، قد تكون رسالة المكان مختلفه الان عن رسالته التي صمم من اجلها لاختلاف الزمان و الثقافة لذلك تحتاج الى من يوضح لك اي رسالة كان يحملها هذا المكان في زمانه ، لكنها تبقي رسالة واحدة تصلك لتعطيك شعورا خاصا يتم تسجيله بداخلك مرتبطا بذلك المكان ، و ليس رسائل مختلفة تتشابك و تتنازع لتعطيك نتيجة سلبية في النهاية ، تذكر احساسك عند زيارة معبد فرعوني ، قلعة ، مسجد اثري ، مسرح روماني ، قصر ملكي ، كنيسه قديمة ، و غيرها من الاماكن .. ستجد ان لكل منها ارتباطا ذهنيا بداخلك ، عند قرائتك لاسم كل مكان يستحضر ذهنك صورة معينة و احساسك بشعور معين لكل مكان على حدة ، و هذا احد اسباب ان تجد كل متحف من المتاحف تربط معروضاته رابطا واحدا مميزا ليحمل لك رسائل مترابطة مكملة لبعضها البعض ، و يتكامل ذلك اذا كان المتحف نفسه مصمم تصميما خاصا يحمل روح هذا الرابط و يؤكده لك لتتهييء للرسائل المراد توصيلها ..
تخيل لو اخذت تفصيلة او اكثر من كل مكان من تلك الاماكن و جمعتها معا في مكان واحد ، فاي الرسائل ستستقبل و اي شعور سيتملكك ؟  دعنا نجرب معا .. سيكون المكان مسجد مثلا و قد اكتست واجهته بتفاصيل معبد فرعونى من اعمدة ضخمة و اشكال زهرة اللوتس العملاقة لكنك ستجد الجدران حفرت بايات قرآنية و ادعية و كانت النقوش المنتشرة في الارجاء من الذهب الخالص المطعم بعض الاحيان باحجار كريمة او ما شابهها كما هو في القصور الملكية .. تستطيع اضافة عناصر اخري ان شئت من اي مكان اخر ، لكن اخبرني بعد ذلك بشعورك اثناء تخيلك هذا المكان ، لن تستطيع ف البداية ان تقتنع باي التفاصيل تصدق و لا تستطيع فك شفرة هذا المكان الجديد بالنسبة لما قد تم تسجيله بداخلك من ارتباطات شعورية للتفاصيل المختلفة ، ستضطرب و تتشوش و تكون النتيجة النهائية هي عدم الراحة الغير مفهومة الاسباب … و قد كثرت من حولنا الاماكن المجتمع فيها تفاصيل متباينة و متضادة و متنافرة  و ان كان باوصاف مختلفة …
كل ما حولك يحمل لك رسالة خاصة ، كل تفصيلة دقيقة حتى و ان كنت لا تهتم بها او لم تلاحظها حتى و سقطت عليها عيناك او مرت عليها مرورا سريعا خاطفا ، يرى عقلك الباطن كل ذلك و يسجله و يفنده و يحاول فك شفرته حسب المعلومات المتوفرة لديه و المشاعر المرتبطة بها ليعطيك نتيجة تبني عليها رد فعلك اللاشعوري ، و ان كنت حتى لا تشعر بكل ما يحدث من ذلك الا انك تشعر دوما بالنتيجة و هو الاحساس الداخلى الخاص الذي لن تستطيع دائما رصد اسبابه العقلانية الواضحة ، ربما تسترجع الآن بعضا مما مر بك مشابها لذلك و تحاول استرجاع شعورك حينها ، ربما بات ما تم ذكره شارحا لما انتابك من شعور ما لم تستطع حينها فهمه او استيعابه ..
حينما يصبح اغلب ما حولك متشابك و غير متناسق و تختلط فيه التفاصيل الشاذه و الغريبة معا صارخه فيك بكل الرسائل المتباينة و عقلك الباطن يبقي حائرا يحاول الربط بين التفاصيل المختلفة لنسج الصورة النهائية عاملا باقصى طاقته الى حد الجنون ليترجم كل ذلك معا ، بالطبع سيترجم كل ذلك بان المكان الذي تتواجد فيه غير منطقي بالنسبة لمدخلاته المسجلة من قبل و ان وجودك في هذا المكان غير حقيقي بالمرة و ربما يكون كل ما حولك مصطنع ، بالطبع سيؤثر كل ذلك عليك بالسلب طوال الوقت ، احيانا تشعر بالضيق  و احيانا تشعر بعدم الراحة و احيانا تشعر بعصبية مفاجئة و تتباين مشاعرك السلبية من حين لاخر باختلاف الاماكن
لكن اذا كان اغلب ما حولنا و ما نعيش بداخله و نعمل و نتحرك بالنسبة لعقلنا الباطن مصطنع فاين ما هو حقيقي ، استطيع ان اقول لك انك قد تجد ما يفسره عقلك الباطن بانه حقيقي هو ما تم محاكاته ليكون حاملا نفس الرسائل المتناسقة التي يحملها عقلك الباطن ، و لكن ليس كل ما تم صناعته للمحاكاة يعطي الانطباع المريح ، ما يعطي ذلك هو ما تم محاكاته بعناية فائقة بعد دراسة عميقة للرسائل المراد توصيلها ، ان تشاهد فيلما اجنبيا ما يحكي عن قصة تدور احداثها اثناء الحرب العالمية الثانية مثلا و تمتليء المشاهد بكل التفاصيل التي تحمل لك رسائل تؤكد لك عنصر الزمان بانك تشاهد بالفعل كيف كانت الحياة في ذلك الوقت و تؤكد لك عنصر المكان لتعيش بداخل المشاهد كانك تعرفها من قبل و كل ذلك حتى تصدق القصة التي تنقل اليك اثناء تصديقك لعنصر الزمان و المكان اللذان حملا نفس الرسائل المتكاملة …
ربما تتسائل الان ، و ما الغرض من كل ذلك سواء ان عرفته ام لم اعرفه ، و ما الذي سيؤثر علينا بناء على كل ذلك من امور يصعب على البعض استيعابها ..
يؤثر كل ذلك علينا في نواحي جمة  ، منها ما ذكرناه من تاثيره على الشعور ، و منها ما سنذكره من انحدار منحنى ترجمة العقل الباطن الانساني الى منحى اخر تماما عما كان متجها اليه ، حينما تشاهد احدى الصور مثلا و يطلب منك ان تفسر ان كان ما في داخل الصورة منطقيا ام لا ، كان تكون الصورة لرجل تبدو عليه السعادة الجمة و الفرح العارم و قد اضطرمت النار من حوله ، او تكون الصورة لاطفال و قد تلطخت ملابسهم و ايديهم بالدماء و يقفون وسط برك من الدم حولهم و هم مبتسمون و في غاية المرح .. بالطبع ستبدو تلك الصورة غير منطقية بالمرة ، فلا يوجد احد يسعد بان تلتهم النيران ما حوله بل و يقف وسطها سعيدا ، ولا يوجد ما يربط بين الاطفال و الدم الا صور الموت و الالم فستبدو البسمة عليهم ايضا غريبة و غير مبررة ، لكنها من الممكن جدا ان تكون منطقية في بعض الاحيان ، ان يكون هذا الرجل مثلا امين مخزن قبل يوم الجرد السنوى للمخزن و قد اصبح سعيدا باضطرام النيران في المخزن لان ذلك سيخفى اثار السرقة التي كانت ستكتشف في اليوم التالي ، ان يكون هؤلاء الاطفال صباح اول ايام عيد الاضحى بعدما شاهدوا الخراف تذبح في الشوارع و في كل مكان و بللوا ايديهم بدمائها حذوة بما يفعله بعض الكبار فلطخوا بها ثيابهم اثناء اللعب و قد تجمعت برك الدماء الناتجة عن الذبح من حولهم ..
بناء على ذلك تجد ان الاشياء الغير منطقية تماما اصبحت منطقية جدا في ايامنا ، فيما بعد ستجد ان ما هو غير منطقي هو المنطقي و العكس ، لان ما تم تسجيله في العقل الباطن في البداية كانت اشياء غير منطقية ارتبطت معا بشعور ما فتم تسجيله على هذا المنوال ، ليترجم الاشياء المترابطة بعد ذلك على انها اشياء جديدة لم يعرف شعورا محددا لها من قبل ، ستجد امثلة ذلك واضحة جدا مع تغير الذوق العام لكل جيل جديد و صراعه مع جيله السابق و ما يليه على ان ما يعرفه هو المنطقي و هو الجيد و هو الرائع و ما سواه غريب و غير منطقي بالمرة ..

ان كنت قد استوعبت ما حوته السطور السابقة فقد وضعت يدك على مفتاحا هاما جدا و سرا عظيما ان استعطت استغلاله تفتحت لك آفاقا واسعة و قوة ستعرف معناها حين تمتلكها و تجنى ثمارها .

11‏/11‏/2013

عيناكي و القمر


وحدي انا 
و ليل طويل 
شارد هنا 
و قلبي عليل 
تائه في ذكراكي
و عيناكي الدليل ...



مرة اخرى .. و ليل اخر .. و انا وحدي و ذكراكي و لا شيء آخر سوى الفراغ ، فراغا كبيرا اصبح يملأ حياتي بعد رحيلك ، و كيف للفراغ أن يملأ شيئا و هو لا شيء .. فالاصل كان وجودك و الاصل كان حضورك و الاصل كان انتى .. ولا شيء قادر على ان يملأ اماكنك التي تركتيها فراغة ، ولا احد قادر على ان يعوض جزءا من تفاصيلك التي عشقتها ، لا اعلم ان كان احدا او شيئا يشتطيع ملء اي جزء من ذلك الفراغ الكبير الذي صرت اعيشه ، ام اننى من يمنع اي شيء ان يحتل عالمك بداخلي الذي خصصته لك و منعت اي شيء قبلك من دخوله و لو لبعض الوقت حتى لا يشغل قلبي إلا انتى .. فهو لم يخلق الا لينبض عشقا لكي ، و لكي اصنع كل ذلك العالم بداخلي الا لكي وحدك بتفاصيلك العميقة لتحتليه وحدك ولا شيء سواكي .. ، الى متى سامنع الاشياء الصغيرة من التدحرج الي ذلك العالم الواسع الذي لم يعد فيه الا ذكراكي و الالم و الاشتياق .. الى متى سيعجز كل شيء في اقتحام اسوار قلعتي التى فتحت لك ابوابها طواعية لتسكني في ابراجها المنيعة و اغلقت خلفك كل الابواب ، و بنيت معك اسوارا جديدة حولنا كي لا يزعجنا احد في خلوتنا الرومانسية و لا يعكر صفو احلامنا من دنسوا الواقع بمقتهم لكل جميل ، كي لا يرانا المارة نتبادل افكارنا و عواطفنا و شجوننا و قبلاتنا الحارة و ابتساماتنا المشتاقة و نظرات اعيننا التي تحمل الكثير و الكثير من الكلمات المشفرة التى لا يستطيع احد فك شفرتها ولا احتواء الكلمات التي تحملها او تدوينها على اوراق .. نظرات اعيننا تلك التى كنا نلوذ بها ان عجزت كلماتنا عن وصف ما نحمله من مشاعر و احاسيس .. ، لكنك رحلتي بلا مقدمات في اوج تلك النظرات ، في غمضة عين و اقل من ذلك ، و نحن لم نكن قد اكملنا حديثنا او اكملنا اي شيء مما كنا نبنيه سويا .. لم نكن قد بدانا في بناء مملكتنا الصغيرة و لم نبدا في اعداد جيشنا القوي الذي كنا سنغزو به العالم عشقا ...
كم تمنيت لو كان رحيلك اقل عنفا و اكثر رحمة ، رغم انى كرهت رحيلك ولو كان مؤقتا .. كم تمنيت لو علمتيني كيف اصبر على الغياب قبل ان ترحلي هكذا ..، لو علمتيني كيف لا اتذكرك كل ليلة و انا وحدي و ذكراكي تتلاعب بي هنا و هناك ..، لو علمتيني كيف انسى ايامنا و احلامنا و كلماتك و وعود بيننا و صوتك في اذني و رائحتك في انفاسي و لمسة من يدك حانية تذيب متاعب الحياة و قبلة من شفتيك تروي ظمأ الايام القاسية و احتوائك لي و كاني خلقت لتحتويني بين ذراعيك حيث اطمئن و ارتاح ..
لكني لن انسى طالما عيناكي في خيالي اراها دوما و ان لم اعد استطيع تبادل النظرات معها و الحديث .. كنت اظن اني ساتعود مع الايام و استبدلهما بالنظر الى القمر ، و انسى كل شيء معه ..، 
لكن يغيب القمر ، و تبقى عيناكي تذكرني بما لم انساه ... 

01‏/12‏/2012

حكاية اميرة .. لم تعد كذلك ..!




لم يحكى انه في مكان ما في ارض بعيدة كان هناك ملكا و ملكة محبوبان من شعبها يعيشان عيشة رغدة هنيئة حريصان على شعبهما كما يحرصان على حياتها .. لكن لابد ان ينغص عليهما شيئا ما ككل اساطير الملوك و الحكايات ، كان الملك و الملكة ينتظران فردا ثالثا يكمل الاسرة الملكية السعيدة سواء كان اميرا قادما او اميرة ، فلم يكونا يعبئان بنوع القادم انما كانا قلقان بشدة لتاخره ، استدعى الملك اطبائه و لكن لم يعرف احد منهم السبب الحقيقي و لم يقتنع الملك و الملكة بآرائهم ، استدعى الملك حكمائه و مستشاريه فقال له احدهم لعل في التاخير الخير و الفضل الكبير و قال الاخر لعلها لحكمة ما لا نعلمها و قال ثالث لعل الظروف غير مناسبة الان و لم يقتنع الملك و الملكة ايضا بما سمعوه ، و ظلوا كذلك حتى دلهم احدهم على عرافة قد تخبرهم بما تحمله لهما الايام و تخبيء لهما الاقدار و لكنه حذرهما من جشعها و طمعها ، و لكن الملك و الملكة لم يعبئا بالتحذير فلديهم من الخيرات ما يمكنهم من إغداق الاموال و العطايا للعرافة كي تخبرهم بما قد يخفى عليهم ، و بالفعل تم استدعاء العرافه و تم سرد ما يشكوا منه الملك و الملكة هنا اخرجت العرافة ادواتها و سالت بعض الاسئلة عرفت منها ان الملك و الملكة لا يريدان الا ان يرزقا بمولود ذكرا كان او انثى مهما يكن بعد ذلك ، هنا ابتسمت العرافة بخبث و ظلت تعبث بادواتها المنثورة و تتمتم بعضا من لغتها المجهولة ، ثم اخرجت عقارا في قنينة صغيرة اوصت به لهما لعدة ايام معلومة وبزيارة اخرى لهما ان تم لهما ما ارادا ، و اوصت بعطايا لها ان تم المراد من رب العباد ، و عادت ادراجها محملة بعطايا من ملك البلاد ، و بالفعل نفذ الملك و الملكة وصيتها و انتظرا بضعة اسابيع و تحقق لهم المراد و ظهرت علامات قدوم ولى او ولية العهد القادم ، و فرح الملك و الملكة اشد الفرح ، و استدعوا العرافه كما طلبت و اغرقوها بالعطايا ، و بعد ان فحصت العرافه الملكة اكدت الخبر وقالت : " بان القادم اميرة جميلة لم يعرف احد مثلها من قبل و ستكون لها حكاية لم تكن لاميرة من قبل و انها قد تغير مسار حكايات الامراء و الاميرات فيما بعد فقد سبقت الاميرة زمانها و لابد ان تلزم مكانها "

ولدت الاميرة و اقيم على ولادتها الافراح و الولائم و سعد بها الملك و الملكة اشد السعادة و سعد معهم الشعب لما اعطى من منح و عطايا كرامة للاميرة القادمة ، اهتم الملك و الملكة بتربيتها و رعايتها و لم يضنوا عليها باي شيء في تربيتها و تعليمها و تنشئتها تنشئة الاميرات و الملكات ، حتى كبرت الاميرة و كانت جميلة بحق و جاء وقتها ليخطفها اميرها المجهول لمملكته البعيدة و يعيشا سويا حياة هنيئة ، و كعادة الاساطير و حكايات الاميرات لابد ان تبقى الاميرة بمكان يصعب على احد الوصول اليه حتى ياتي اميرها المنشود ليتجاوز الصعاب و يقطع في سبيلها الرقاب ليكشف عنها النقاب و يبدد السراب ، فاعد الملك للاميرة قلعة كبيرة بها قصر منيف و احاط القلعة بخندق كبير و عميق مليء بالماء الذي يعج بالاسماك المتوحشة و حوله ذئاب مفترسه و بداخل القلعة حراس اشداء و تنين ضخم ينفث النار على كل غريب يدنو من اسوار القصر ، و ذهبت الاميرة سعيدة تقضي ايامها في قصرها المنيع ، و تنتظر اميرها المنشود القادم من وحده بغير جنود يحارب من اجلها كل صعب موجود و يخطفها معه الى خارج الحدود ، كانت الاميرة سعيدة بحق و هي تنتظر الامير في قصرها و ظلت تمضي ايامها و معها وصيفاتها و خدمها يرعونها و يعملون على راحتها ، و انتظرت الاميرة و انتظرت و طال انتظارها ، ظلت الايام تمر عليها بثقل كانت تشعر به في كل ليلة ، تظل ساهرة في الليالي تفكر متى ياتي اميرها و كيف سيعبر تلك المصاعب التي تواجهه و كيف سيكون شكله و كيف تكون هيئته ، ياتي عليها النهار تحاول ان تشغل نفسها فيه باي شيء تستطيع فعله ، و لكنها لم تستطع ان تهرب من نجوم الليل و افكاره ، كلما بزغ القمر في ليلة لا تستطيع النوم ، تظل تنظر للقمر و تناجيه كما لو كان القمر مرسالا لاميرها يمكن ان يوصل اليه رسائلها الليلية ، كم هو طويل هذا الليل الذي تعيشه و كم هي مؤلمة افكارها و عميقه ، كم ذهب خيالها بعيدا تتصور فيه اميرها و هو يخطفها من قصرها و تتخيل كيف ستكون مملكته و كيف ستكون الايام التي ستقضيها معه ، ظلت تفكر و تفكر ، و تنتظر و تنتظر ، تراقب من حين الى اخر احدهم يحاول تجاوز الصعاب ، تظن انه اميرها المنشود ، و لكن تنهار ظنونها بمجرد ان يهزم و لا يستطيع الاستمرار ، فاحدهم يفر بمجرد ان يرى الذئاب من بعيد ، و احدهم لا يستطيع تجاوز خندق الماء الكبير حول القلعة ، و هناك من يهزمه الحراس الاشداء ليعود ادراجه ، و ان تجاوز احدهم هذا رغم انه لم ياتي بعد سيجد نيران التنين في انتظاره ، في البداية اشفقت الاميرة على من يحاول اجتياز الصعاب من اجلها ، و بعد ذلك بدات تراه صعبا على اي شخص تجاوز كل ذلك ، ثم باتت تراه مستحيلا ، و مع كل الاوقات التي تمضي دون ان ينجح احد في تجاوز كل ذلك يزداد مقتها لكل تلك العقبات ، كيف لبشري عادي ان يجتاز كل ذلك ، كيف لها ان ترى كل ذلك امامها و لا تحرك ساكنا ، ثم متى يظهر هذا البطل الاسطوري ليكون هو اميرها المنتظر  و الى متى ستظل هي وحيدة كذلك يحرقها شوق الانتظار ...
حقا ان من اصعب الاشياء الانتظار ، خاصة حينما تنتظر المجهول الذي سياتي في وقت مجهول ، و لكن الاميرة ما عادت تتحمل اكثر من ذلك فكرت في استدعاء العرافه التي كانت سببا في ميلادها و لكنها عرفت ان ما اخدته من عطايا الملك جعلها تعيش حياة رغدة و لم تعد عرافه بعد ذلك الوقت ، قررت الا تقف مكتوفة الايدي لا تحرك ساكنا منتظرة ، قررت ان تخفف المهمة على اميرها حتى يتسنى له القدوم لعل احد الاشياء في طريقه منعته من الوصول ، استدعت كبير الحراس لتامره : " اؤمر كل جنودك بالتحصن و كل من بالقصر بعدم الخروج و افتح كل ابواب القلعة و ادخل الذئاب " و لكن كبير الحراس اندهش : " و لكن يا سيدتي تلك الذئاب تحرس القلعة مما هو مجهول قادم و لا ارى غرضا لادخالها فقد تلتهم من في القلعة " ردت الاميرة : " انا اعلم ما تقوله جيدا ، انا لا اريد الذئاب ان تلتهم احدا انا اريدها ان تحترق بنيران التنين ، لقد باتت تلك الذئاب لا داعي لها الان " استنكر كبير الحراس امرها : " و لكن يا سيدتي .... " لم تدعه الاميرة يكمل حديثه فقاطعته آمره اياه ان ينفذ اوامرها ولا يجادل كثيرا ، هنا لم يجد كبير الحراس بدا من تنفيذ امرها ، و بالفعل احترقت جميع الذئاب بنيران التنين الحارس ، كانت الاميرة تريد ان تخفف شيئا مما هو صعب التجاوز للعبور اليها ، لم تكن تعلم بالظبط ما يمكن فعله و لكنها قررت التنازل عن شيئا مما يحميها لعل اميرها ياتي سريعا اليها ، صحيح انه تشجع القليل من الاقتراب من اسوار القلعة و لكن احدهم لم يستطع تجاوزها ، كان الانتظار يحرقها و الايام تمضي و يمضي بها العمر ، تقضي كل ليلة في قلق و ترقب ، تجلس في شرفتها العالية في القصر تراقب من بعيد القرية الصغيرة التى يعيش فيها الناس سعداء يتسامرون ، و هي تفكر في مستقبلها و في امير احلامها ، استدعت وصيفتها لتتحدث معها قليلا ، سالتها عن القرية و عن اهلها فظلت الوصيفه تحكي لها عن اهل القرية و طباعهم و حياتهم ، كانت حكايات الوصيفه تهون على الاميرة لياليها و اوقاتها ، و تاخذها قليلا من تفكيرها و قلقها ، و لكن الوقت ظل يمضي و مازالت محاولات من يحاول الاجتياز تبوء بالفشل ، لم تعد الاميرة تحتمل اكثر ، استدعت كبير الحراس و امرته بالتخلص من التنين في خندق الماء العميق ، استنكر كبير الحراس : " يا سيدتي اتدرين ما سيحدث حينئذ ، ستهاجم الاسماك التنين مما سيجعلهم ينفث نيرانه القوية ليتبخر الماء و تموت الاسماك و يموت هو لانها لن تموت قبل ان تكون قد التهمت جزءا كبيرا منه " قالت الاميرة : " اعلم ، لم اعد اريد كل ذلك حولي ، الا ترى انه لا احد استطاع الاجتياز حتى الان  " استنكر كبير الحراس بشدة : " يا سيدتي لا يصح ذلك .. الاسطورة لابد ان يكون بها الصعاب لكي يجتازها الامير المنشود و الا لن تكون هناك اسطورة ... " قاطعته الاميرة : " لا تنس ان تلك اسطورتي .. انا من يتحكم هنا انها اسطورتي الخاصة و اعرف جيدا كيف ستكون ... " لم يجد كبير الحراس ردا ولا مفر من تنفيذ امرها ، و بالفعل حدث ما ارادت ، و اصبحت القلعة خاوية مخيفة مقبضة ، يهيأ لمن ياتي اليها من بعيد انها مهجورة ، انتظرت الاميرة ان ياتي اميرها بعد ان ازاحت عنه الحواجز و الصعاب ، لكن انتظارها طال اكثر هذه المرة ، لم يعد احدا يحاول الاقتراب من القلعة ، حتى المغامرين و الفرسان لم يفكروا ، اصبحت القلعة سهلة الاجتياز و لا احد من المغامرين يخوض تجاربا سهلة ، خاصة و ان ما كان سهلا في الاجتياز لم يكن ثمينا ، فلو كان ثمينا لكان صعب المنال ، ظلت تقضي الاميرة ليلها حزينة تراقب القرية من بعيد ، تحادث وصيفتها التى ظلت تحكي لها عن القرية علها تخفف عنها آلامها ، هنا اقترحت الاميرة ان تبدل دورها مع الوصيفة ، بان ترتدي هي ثيابها و تنزل للقرية تقضي وقتها حتى ياتي الامير فمن الواضح انه سيتاخر اكثر ، استنكرت الوصيفه : " و كيف يا سيدتي انك اميرة البلاد كيف ستمشي هكذا بين العباد " و لكن الاميرة اصرت و خرجت بالفعل دون ان يعلم احد و سارت الي القرية لتمضي وقتها بين اهلها الطيبين ، كان صعبا عليها في البداية ان تتعامل مع عامة اهل القرية ببساطة ذلك لانها اميرة بطباع الاميرات و لا تعلم جيدا كيف يتعامل العامة مع بعضهم ، و عرف اهل القرية انها غريبة عنهم بررت هي ذلك بانها قادمة من مكان بعيد عن ارضهم ، استضافتها سيدة كبيرة في السن لتعيش معها في بيتها ، ارادت الاميرة ان تخالط اهل القرية لما وجدت فيهم من طيبة ، طلبت من السيدة ان تعمل معها في حانتها الصغيرة في القرية حتى تساعدها ، لكنها كانت تريد ذلك لتكون اقرب لاهل القرية و تسمع احاديثهم اليومية ، ظنت انه قد يكون اميرها هو الاخر متخفى وسط اهل تلك القرية فستعرفه وقتها و تتحدث معه و تقول له انها اميرته المنشودة ، و لكن الايام مرت و لم تجده وسطهم ، ظلت تتحدث باحاديثهم و ترتدي ملابسهم ، اعجبها حياتهم و ايامهم و لياليهم و سمرهم ، حتى جاء يوما ليس كباقي الايام ، شعرت فيه الاميرة بشعور لم يمر عليها من قبل ، و في المساء دخل الحانة فارسا مهيب الهيئة لم يره احد من قبل ، جلس و طلب شيئا يشربه ليكمل طريقه ، شعرت الاميرة انه مختلفا ليس كمن عرفتهم من قبل ، ليس كمن يمرون بالقرية ، حاولت التحدث اليه لكنه لم يكن ليطيل حديثه ، لكنها عرفت انه كان قادما من قلعتها ، خفق قلبها بشدة ، انه هو اميرها التى باتت الليالي تنتظره ، انه هو اخيرا قد جاء ، سالته :" هل كنت قادما من اجل الاميرة " نظر اليها متعجبا :" نعم ، و لكنى لم اجدها من وجدته هناك كانت وصيفه ترتدي ثياب اميرة عرفتها على الفور و عرفتها انها ليست اميرتى ، كما اندهشت لان ما كنت اعد نفسي لمواجهته من صعاب لم اجده في طريقى ، لعلها لم تكن القلعة التى كنت انشدها ، ساستمر في طريقى لاجد اميرتي " قالت له الاميرة فرحة : " كلا ، بل هي القلعة و انا الاميرة ، لكم انتظرتك في الليالي المظلمة و لكم اشتقت لتلك اللحظة " نظر اليها الامير متعجبا ، انتبهت الاميرة وقتها انها كانت ترتدي ثياب العامة و تتحدث مثلهم و تبدو في هيئتهم لن يبدو عليها ابدا انها اميرة او كانت اميرة في يوم ما حاولت ان تشرح ذلك للامير لكن انى له ان يصدق و ما يراه غير ما يعرفه مطلقا ، قال لها : " يا سيدتي كيف لاميرة ان تعيش خارج قصرها و كيف لقصرها ان يكون بغير حراسه تسهر على حمايته ، لا يوجد اميرة بين الناس لم اعرف اميرة كذلك من قبل ، ما خرجت من مملكتي الا لاميرة متوجة و لم اعد لنفسي للا شيء يحرس قصرها المهجور ، سامضي يا سيدتي ايا ما تكوني الى اميرتي التي انشدها طال سفري ام قصر فلا حيلة لى لعل وقتي لم ياتي بعد و لعلي اجدها في الوقت المناسب " و انصرف حينئذ الامير ماضيا في طريقه ، تاركا خلفه اميرة تبكي ، اميرة لم تعد كذلك ... 

21‏/05‏/2010

أين أنتِ ؟



تساءلت كثيرا

و لم أجد الإجابة

بحثت عنك كثيرا

و ظل يراودني السؤال

هل أنت قريبة أم بعيدة ؟

هل أنت واقع أم خيال ؟

ترى أأنساك يوما ؟

أم لي ذاكرة الجمال ؟

ترى أألقاك يوما ؟

أم هذا من المحال ؟

ترى أتكونين لي ؟

أم ليس لي إلا السؤال ؟



مازلت ابحث عنك ، أمشط الطرقات و انظر حولي ، أطارد عينيك في كل مكان ، مازلت و مازال السؤال يصاحبني ، يبحث معي عن إجابة ، و يشاركني الساعات و الأيام الطوال , لم يعد لي غير ما افعله في بحثي عنك كل يوم في كل البلدان ، لم اعد اذكر غيرك ، لم اعد أرى إلا عينيك في ضوء النجمات , وجهك في دخان القهوة ، لم اعد اسمع إلا صوتك في زقزقة العصافير ، ضحكاتك في غناء البلابل ، لم اعد أشم إلا رائحتك في هواء الصباح ، في عبير النسمات ، لا اعلم كم مضي و أنا ابحث عنك ، فكل يوم لا أراك فيه خارج تقويمي ، التقويم الذي بدا يوم عرفتك ، ذلك تقويمي الخاص غير تقويم الأزمان ، أنت لا تعرفين كيف امضي حياتي بدونك ، كل يوم يمضي كالذي يليه ، كل الفصول تشابهت فأصبحت سنتي بغير فصول ، كل السنين تقاربت فأصبح تاريخي بغير عصور ، مضيت بأيامي كالشمس تبحث عن كوكبها الذي كان حولها يدور ، فانا الآن احمل قلبا كالشمس يحترق شوقا و لهيبا ينتظر يوما فيه يلقاك ، امضي نهاري باحثا عنك في كل الأوطان ، اطعم سمكة أهديتيني إياها يوما ، تنظر لي بجانبها كأنها تلومني أني أضيع الوقت في إطعامها و لا ابحث فيه عنك ، ازور كل مكان كنا فيه معا علني أجدك فيه منتظره تتذكرين ما كان ، امشي بكل شارع سرنا فيه معا ، لا آكل إلا ما تحبين من طعام علني أجدك آتية تشاركيني الطعام ، اشرب و مازلت ظمآن ، يداك التي كانت ترويني ، اسهر ليلي أراقب نجماته علها تعرف مكانك و ترشدني ، يطول بي السهر فيسائلني القمر عنك ، يذكرني بأيام كنت أحدثه عنك ، فأنت لا تعلمين كم حدثته عنك ، كم يغار منك عندما أقول انك أحلى من القمر ، انك كالبدر يوم السهر ، انك الدفء يوم المطر ، انك ملاك بين البشر ، الان لم يعد غير سؤالي و النجوم بعيدة عني ، لا تسمعني و لا بي تعني ، آه لو تعرفين كم انتظرك ، كم أتلهف لأي شيء منك ، صرت أترقب كل رسالة بريد علها تكون منك ، صرت أطير مع كل دقة هاتف علني اسمع صوتك ، صرت أنصت لكل خطوة حولي علها تكون خطواتك ، لم اعد أعيش إلا في ذكراك ، فانا لا أحب سواك ، و لن أحب سواك .. و يبقي سؤالي .. أين أنتِ ؟

04‏/05‏/2010

اليوم 24

امر عسير حقا ان تظل تفكر في لغز ما طوال الوقت و تقلب الامور لعلك تستطيع سبر اغوار هذا اللغز .. و لعله يكون اصعب عندما يتعلق هذا اللغز بك شخصيا .. عندما يصبح لغزا قد يكون فك رموزه محورا هاما جدا في حياتك و قد يكون نقطة انتقال كبرى من نمط حياة الى نمط اخر .. عندما يتعلق اللغز بارقام و رموز تشير كلها الى شيء واحد ، تعرف انها تريد ان تقول لك شيئا ما او تدفعك لاكتشاف شيئا ما و تظل تبحث و تفكر حتى تجد ضالتك المنشودة ، و لعلي عشت بعض من تلك اللحظات .. مضيت افكر فيما قادتني اليه افكاري لعلي اكتشف ما قد يغير حياتي ، عشت لغز الارقام .. بل لغز الرقم 24 الذي وجدته يتراص امامي اكثر من مرة في نفس اليوم .. يوم ميلادي كان في الرابع و العشرين "24" من شهر ابريل من سنة الف و تسعمائة و ستة و ثمانين "1986" ، اليوم 24 و النصف الثاني من شهر ابريل الذي ياتي ترتيبه الرابع بين الشهور الميلاديه أي انك تجد الرقم 24 امامك و عندما تجمع الارقام المكونة لسنة الميلاد تجدها تساوي 24 و الان قد اتممت 24 سنة و اليوم به 24 ساعة .. و لعلي لو ظللت ابحث في نطاق اوسع من ذلك لوجدت ايضا الرقم 24 يظهر امامي بوضوح ، ... ما هي الرسالة المقصودة من كل ذلك ؟ ، ما الذي يريد ان يحذرني منه هذا الرقم 24 ؟ ، ما الذي قد يحدث في ذلك اليوم مرتبطا بالرقم 24 ؟ ، اسئلة كثيرة ظلت تراودني و تدفعني للتفكير و البحث اكثر و اكثر عن السر ، لعل احدهم قال: " انها مجرد مصادفة بحته دفعت بك لملاحظة الرقم " ، و لكني اعرف انه لا توجد مصادفة تمر كذلك بدون ان يكون لها هدف ما او من خلالها تصلك رسالة هامة قد تغير الكثير و الكثير ، علمتني الحياة انه لا يوجد شيء اسمه الصدفة العابثة ، كل شيء منظم و منمق لدرجة كبيرة ، حتي ما قد نظن بعض الوقت انه عشوائي يخضع لنظام دقيق هو الاخر ، لعل اخر قال : " انك تشغل نفسك و تفكر في ما لا طائل منه ، قد يكون هناك شيئا ما ان كان هناك شيئا كما تقول و لكنه قد يكون شيئا واهيا لا يستحق عناء البحث و التفكير " ، ولكني اعرف ايضا انه لا شيء بلا اهمية مهما بدا صغيرا و تافها ، كثيرا من الاختراعات و الاكتشافات لم تكن لتصل الينا لولا ان هناك من شغل نفسه باشياء بدت لكل من حوله صغيرة و تافهه ، و اعتقد ان الكل يعرف ما أرمي اليه لان ذكر الامثلة قد ياخذ منا الكثير الذي نحتاجه الان لحل هذا اللغز ، و لكن يا ترى هل له حل ؟ هل حله قد تدركه عقولنا ام انه اكبر من ذلك ؟ هل استطيع ان اسبر اغواره ام انه ليس مقدرا لي ان اكشف خباياه او ان موعد كشفه ليس الان و قد يكتشف خباياه شخص اخر غيري ؟ هل حقا اضيع وقتي سدى فيما لا ينفع ؟ هل حقا انه لا طائل من كل ذلك ؟
ام ان هناك ما يدفعني دفعا الي شيء ما لم اعلمه بعد ؟، يدا خفيه تريد ان تكشف لي عن شيء لم الاحظه بعد ؟ ...
لم يعد لدي سوي ان ابحث و افكر لعلي اجد ما ينفعني او ما يريح بالي و انشغالي ، بدات احلل و اربط ما وجدت ببعضه البعض ، كل شيء يشير الي الرقم 24 في ذلك اليوم اتم 24 سنة من العمر ، ترى قد يحدث شيئا له علاقة بذلك الرقم ، ام ان الامر له علاقة بالعمر 24 ، هل يحدث ان اقابل 24 شخصا جديدا خلال 24 موقف مختلف ام اني قد اكسب 24 مكسب اواني اعرف 24 معلومة او اتعلم 24 شيئا جديدا ، قادني تفكيري الى كثير مما قد يحدث له علاقة بالرقم ، حتى ان الامر قد اوشك على ان يكون سخيفا مملا و انتظرت طوال اليوم حدوث ما اتوقعه يرتبط بالرقم 24 ، ولكن اليوم مر و لم يحدث أي شيء يذكر ذا اهمية اخذت نفسي وذهبت لاكثر الاماكن التي قد يكون فيها اناس غيري في تلك البلدة الصغيرة ، و لكني لم اجد ما استرشد به ، تجولت اتسوق وابحث عن ضالتي لعلي اصادف أي شيء ، وانتهيت من التسوق و التجول و لم اجد شيئا ، و عدت الى المنزل و ليس معي غير ما اشتريته من خلال تجوالي بلا هدف غير ان اجد ضالتي ، و مر اليوم كاي يوم اخر و لم اعرف ايضا ، ذهبت الي النوم خالي الوفاض يحير بالي ما انشغلت به ولم اعرفه و تركت الامر لما بعد ذلك علني اكتشفه فيما بعد ، ولم اكن اعلم وقتها اني ساجد في اليوم التالي ما ابحث عنه ، و انكشف رمز الرقم 24 الذي طالما حيرني و شغل تفكيري ....
***
هل حيرك هذا اللغز ( ان شغلت نفسك بالتفكير فيه ) مثلما حيرني و شغل تفكيري ؟ هل اتعبك و قررت ان تترك الامر كله و تبحث عن شيء اخر تشغل نفسك به ؟ هل انتظرت ان تعرف الحل ؟
ظننت كما ظننتم ايضا انه لا يوجد شيء و انه امر لا طائل منه الى ان اهتديت اخيرا في اليوم التالي ، استقيظت من نومي و تذكرت ما كان بالامس و ما ظللت ابحث عنه طوال الوقت ، تذكرت الاشياء التي اشتريتها و ذهبت ابحث فيها ، وجدت ساعة رملية صغيرة رايتها خلال تجوالي و اعجبتني ، استوقفتني قليلا و جعلتني افكر ... ساعة رملية .. رمال كثيرة تمر عبر ثقب ضيق .. لا تستطيع ان تمر كلها دفعة واحدة .. استخدمت قديما لتحديد الوقت .. حساب الدقائق .. الساعات .. اليوم .. 24.. 24 .. اليوم 24 ساعة ..هل تفكر فيما افكر فيه ؟ .. نعم ؟ .. اذن فهو اليوم .. اليوم هو حل اللغز الذي تشير كل ارقامه اليه .. لقد وجدت شيئا لم اشتره بالامس .. اليوم .. حياة جديدة بكل ما فيها .. فرصة جديدة لتغيير اشياء كثيرة .. ستعرف قيمة ما وجدت ان عرفت القيمة الحقيقية لليوم .. كلنا لدينا نفس اليوم 24 ساعة لا تزيد و لا تنقص .. ولكن كل منا يمضيها بطريقة مختلفة .. كثير منا يمضي يومه في تذكر الماضي و التوجع من آلامه و يتعذب في كل يوم ولا يري في كل يوم الا مزيدا من العذاب و الالم بسبب الماضي .. كثير منا يمضي يومه قلقا من المستقبل و خائفا من المجهول الذي ينتظره يتحسب لوقوع اي شيء غير متوقع يضع الاحتمالات و الافتراضات متوترا مضطربا لمستقبله الآتي ..كثير منا يمضي يومه في عمل اي شيء يريد ان يقتل الوقت كي يمضي اليوم بشكل او بآخر ولا فارق كيف يمر و كيف يقتل الوقت .. و القليل جدا هو من يعرف قيمة اليوم جيدا .. يدرك ان اليوم ياتي مرة ولا يعود ابدا بعدها لياتي يوما اخر غيره .. هل فكرت مرة ان تنظر الى اليوم كانه حياة جديدة مستقلة .. يوم جديد لا يرتبط باي يوم اخر قبله او يوم اخر بعده ..
" ليس اليوم الا حياة جديدة لقوم يعقلون "
قرات تلك الجملة ذات مرة و لم ادرك معناها الا الان .. ستدرك انت معناها اذا نظرت الي يومك من زاوية مختلفة .. ستقدر قيمة كل ساعة تمضي فيه تلو الاخرى و لاتعود ابدا .. ان تعيش في حدود يومك و تغلق باب الماضي فلا تفكر فيه و لا تقلق بشان المستقبل كي تستطيع التركيز في يومك فقط .. هل عشت من قبل يوما مضيته في تذكر ما حدث لك فيما قبله و ظللت تتالم لكل ما تتذكره حتى مضي يومك دون ان تفعل فيه شيئا قد يكون له ذكرى طيبة فيما بعد ؟ .. هل عشت من قبل يوما قلقا من المستقبل و ما ينتظرك فيه و مضي يومك دون ان تفعل لمستقبلك شيئا قد يساعدك فيما بعد ؟ ..
"من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل ، و من يتحكم في الحاضر يتحكم في الماضي " ..
هل يعني ذلك انه لا ينبغي ان نتذكر الماضي و الا نستعد للغد و نفكر فيه ؟ بالطبع كلا ! .. لابد ان نعلم ان الماضي دروس و خبرات تساعدنا في يومنا الجديد و ان افضل الطرق للاستعداد للغد هو ان نركز كل حماسنا لانهاء عمل اليوم على احسن ما يكون .. لا يمكنك ان تفكر في الماضي و تتالم له و تقلق من المستقبل و تخاف منه و تمضي عمل يومك على احسن وجه في نفس الوقت .. تذكر الساعة الرملية و حياتك التي تشبهها كثيرا .. فانك لا تستطيع ان تمرر كل الذرات في نفس الوقت .. انك تستقيظ كل يوم جديد تجد الكثير من الاعمال في انتظارك .. اما ان تظل قلقا بشانها طوال الوقت او ان تصفّها عملا تلو الاخر حتى تنجزها جميعا .. ولكن الفرق ان حياتك تمر خلال يومك و لا تعود مرة اخرى.. جرب ان تلقي بحملك كله قبل خلودك الى النوم لتستقيظ في اليوم التالي نقيا خفيفا لا يثقل كاهلك اعباء الماضي او القلق من المستقبل .. ان تخلد الي النوم فيموت يوما .. و تستقيظ لكي يبدا يوما آخر جديد كالصفحة البيضاء تنتظرك لتخط فيها ما يطيب لك .. تملأها بما تريد و ما تحب ان يسجل فيها .. و تكرر ذلك لتجد لديك كتاب حياة تفخر به تحب فيه كل جملة و كل سطر .. وقتها ستدرك جيدا معنى و قيمة اليوم ..
ربما لم اقابل 24 شخصيا و لم اتعرض لـ 24 موقفا مختلفا و لم اكسب 24 مكسب و لم اتعلم 24 معلومة .. و لكني عرفت قيمة 24 ساعة كما لم يعرفها كثير و قدرت كل ساعة منها كما ساحاول استغلالها قدر ما استطعت و تطبيق الرسالة التي طالما الحت علي و طاردتني في افكاري و شغلت بالي ...
الآن و قد عرفت ما عرفته و حيرني كثيرا و اردت ان اشاركك فيه .. اشاركك افكاري و ما جال بخاطري .. اشاركك ذلك لانك اقرب لي او لاني اهتم لامرك او لكي اريحك من متاعبك كما ارتحت من متاعبي حينما توصلت لكل ذلك او لعلك تستفيد منه يوما او يساعدك و لو بالنذر اليسير او لعلي اكون سببا لتوصيل رسالة اخري لشخص اخر و ان كان فردا واحدا فساكون ممتنا جدا حينها ..
بعدما عرفت كل ذلك و عرفت كيف تعيش يومك .. بقي لك ان تعرف ماذا تعمل فيه .. اظنك تعرف ذلك جيدا و ان لم اذكره .. فكما قال رسول الله " صلى الله عليه و سلم " اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا ، و اعمل لاخرتك كانك تموت غدا .....


06‏/11‏/2009

متى ألقاك ؟

لقد رايتها .. نعم .. رايتها اليوم , كنت سائرا في الطريق حتى وقعت عيني عليها .. نظرت لها و دق قلبي .. نظرت لي و ابتسمت .. ابتسمت لها .. لقد رأيتها بكل وضوح .. ذهبت هي و لم استطع محادثتها .. لقد ابتسمت لي !! .. تعجبت لذلك .. إنني لم أرها من قبل .. ولا أظن أنها تعرفني أو أعرفها .. أنا لا أنسى من عرفته .. ترى أدق قلبها كما دق قلبي ؟! .. و أكملت طريقي سائرا ثم ركبت و أنا مازلت أفكر فيها .. و يا للعجب .. لم تمض دقائق حتى أحسست بها تركب في نفس الحافلة .. كانت مع صديقتها على ما أظن .. سعدت لكونها بقربي .. و قلت أتكون هي صدفة أخرى تجمعنا .. أخرجتني من أفكاري طفلة .. كانت تجلس خلفي .. داعبتني فداعبتها .. و أخذت ألاعبها قليلا .. حتى تنبهت إلى من شغلت قلبي و عقلي .. لقد نزلت صديقتها .. نظرت باتجاهها فإذا هي تجلس في مقعد أقرب .. نظرت لها .. إنني أراها الآن بكل وضوح .. كانت جميلة .. بشرتها صافية .. أخذتني عيناها السود .. كأنها الحور العين .. لم تأخذ تأملاتي ثوان .. حتى وجدتها تبتسم لي .. فابتسمت بفرح شديد .. لم أستطع إشاحة نظري عنها .. و هي كانت مبتسمة .. حتى فطنت أنني قد أطلت النظر إليها .. فقالت في هدوء بضع كلمات .. لا أتذكرها الآن و لكني أتذكر معناها .. أظنها تعجبت من طول نظري لها .. فتساءلت إن كنت أريد شيئا .. إذن هي لا تعرفني !! .. اندهشت للخاطرة .. و فجأة .....استيقظت لاعرف أن كل ذلك كان حلم .. حزنت بشدة .. و لكنى تذكرتها .. فانشرح صدري لذكراها .. و لكني تعجبت .. كيف أرها في أحلامي و أنا لم أرها قبل ذلك في أيامي ؟؟!! .. ترى أتكون هي نصفي الآخر ؟! .. أتكون هي الحبيبة التي أبحث عنها و لا أعلم من هي ؟ .. و لكني رايتها .. رأيتها بكل وضوح .. رايتها كما لم أر أحدا من قبل في أيامي أو في أحلامي .. كانت صورتها واضحة ..حتى إنني أظل أتذكرها .. نزلت أمشط الطرقات .. لعلي أجدها .. أو أتصادف بها و أراها .. ترى من تكون هي ؟ .. أهي تلك السائرة بعيدا .. لا ليست هي .. هي أجمل منها .. أتكون تلك القادمة .. لا ليست هي .. هي أحلى .. أم تكون تلك الذاهبة بعيدا .. آسف ظننتك أخرى .. تعبت من البحث .. و أرهقني النظر .. أغمضت عيني .. الآن أراها .. و لكن صورتها بدأت تغيب قليلا .. لم تعد بالوضوح الذي رأيتها به أول مرة .. أتراني أنساها بعد ذلك .. أتراني أفكر بغيرها .. لا أعلم .. هل أظل أبحث عنها .. أم أقول لقد كان حلم .. " كان حلم و راح انساه و ارتاح " .. و لكني لن أرتاح .. لقد ارتحت لرؤيتها .. هل سأجدها يوما ما .. و لكن إن وجدتها .. هل ستكون هي محبوبتي .. أتحبني كما أحببتها عندما رأيتها في أحلامي .. أتصدق إن قلت لها أني رأيتك من قبل في أحلامي .. أيدق قلبها عند رؤيتي كما دق قلبي لرؤيتها .. ترى أرأتني في حلمها كما رايتها في حلمي .. من يستطع إجابة كل أسئلتي .. أهي الأيام ؟ أم الأقدار ؟ أم السنين ؟ أم أني سأظل أبحث عن إجابة ولا أجدها .. لا أعلم و لكني سأظل أسأل كل يوم يمر علي .. حبيبتي متى ألقاك ؟ ...

04‏/04‏/2009

العالم في سندوتش الفول

أمريكا ... لاشك في أنها القطب الأوحد الآن بالنسبة للعالم و ....... " بلاش كلام كبير " .. كثير منا يرى و يسمع الأحداث التي تدور حول العالم .. البعض يهتم بها و يعطيها جزءا من وقته لمتابعتها و قد يتطور معه الأمر للتفكير فيها و تحليلها .. و البعض الآخر لا يهتم ولا يجد أنها تستحق أن يشغل باله بها .. وذلك لان من يرى انه لا أهمية لمتابعة الأحداث العالمية انه لن يستفيد شيء و لن يعود عليه شيء مما يحدث .. انه يرى أن كل ذلك يحدث بعيدا عنه فلماذا يهتم و لماذا يشغل نفسه و يتعب عقله .. يظن انه لن يتأثر بأي من ذلك الذي يجري .. و له أقول ... فكر قليلا معي .. سأوضح لك كيف يمكن أن يؤثر ذلك عليك .. قد يكون بصورة غير مباشرة .. و لكنه يؤثر عليك .. ليس عليك فقط بل على كل ما حولك .. حتى سندوتش الفول .. " إزاي يعنى " .. نعم ... سأشرح ولكن انتظر قليلا .. فلابد لك أن تعرف أكثر عن العالم حولك .. و لابد أن أوضح لك أكثر ليكون لديك خلفية جيدة .. " عارف .. هتقوللي أمريكا " .. نعم .. كلنا يعرف أنها اكبر دولة من حيث القوة الاقتصادية و القوة العسكرية بل و السياسية أيضا .. ولا أظن انه لديك شك في أنها تسيطر على معظم السوق الدولي ... أمريكا .. اسم نطلقه مجازا على الولايات المتحدة الأمريكية ... ربما لسهولة نطق الاسم هكذا "أمريكا" رغم أن أمريكا اسم لقارتي : أمريكا الشمالية , و أمريكا الجنوبية ... و ربما لسيطرتها على جيرانها و نفوذها القوى داخل تلك الدول .. كما هو واضح في معظم الأفلام الأمريكية .. " آه حاطاهم في جيبها يعنى " .. تمام .. و أيضا يمتد نفوذها إلى أمريكا الجنوبية ليشمل دولها أيضا .. بعد ذلك لابد أن تعرف انه من الواضح أن السياسة الأمريكية تهدف للسيطرة على العالم بل السيطرة على موارد العالم .. بالأخص ..البترول .. و تجد نتيجة ذلك كثيرا من الأحداث كالحروب و الاحتلال و ما إلى ذلك .. " طيب إيه علاقة سندوتش الفول بالكلام ده كله !! " .. نعم .. نبدأ بشرح بسيط .. يتكون سندوتش الفول من : الخبز , و الفول , و السلطات و الذي منه ... أولا : الخبز .. يصنع من القمح .. و لمعلوماتك فان أمريكا تسيطر على معظم الإنتاج من القمح و مصر تستورد القمح من أمريكا .. " آه .. دي ممكن .. الفول ماله ؟ .. الفول مصري و بيتزرع في مصر .. متضحكش عليا " .. اصبر قليلا .. نعم الفول يزرع في مصر و هو أكلة المصريين الشعبية و المنتشرة ولا يوجد مصري لا يعرف الفول أو لم يأكله .. و الأكثر من ذلك انه يوجد أنواع عديدة للفول و لأكلات الفول حيث يتفنن المصريون في ذلك و ابسط مثال : الفلافل الذي يدخل الفول في صناعتها و تسمى "طعميه" ... و الأمثلة كثيرة ... الفول يزرع في مصر و بأيدي مصرية .. نعم .. و لكن زراعة الفول أو أي محصول يحتاج الآن للماكينات الزراعية .. بدءا من مضخة المياه التي توصل الماء للحقل حتى الجرارات الزراعية التي تحرث الأرض و غير ذلك من الماكينات .. كل تلك الماكينات تعمل بالبنزين أو الجاز .. و الاثنين من مشتقات البترول .. و كما قلنا أن السياسة الأمريكية تسعى للسيطرة على البترول بالأخص .. و تستطيع التحكم في سعره أيضا .. و لا تقف صناعة الفول عند هذا الحد .. محاصيل الفول تحتاج لنقلها من أماكن زراعتها حتى أماكن استخدامها .. و الشاحنات التي تنقل المحاصيل تحتاج إلى احد مشتقات البترول أيضا .. بعد كل ذلك نجد أن الأحداث العالمية قد تكون احد الأسباب في رفع سعر أيا من القمح أو الفول أو كلاهما .. لو تتذكر أن أمريكا ألقت شحنة سفينة كانت تحمل قمحا في المحيط .. ذلك فقط حتى يظل سعر القمح كما هو متحكمه فيه .. و كما ترى الآن أن الأسعار في ازدياد و الدخل كما هو و إن زاد زادت الأسعار أكثر لتأكل الزيادة في الدخل .. " افتكر معايا .. سندوتش الفول كان زمان بكتم .. و امبارح كان بكام .. و النهارده باه بكام .. تفتكر بكره هيوصل كام ؟! " .. و الخبز أيضا .. بالقياس على هذا المثال يمكنك أن تقيس على باقي المنتجات أو أي شيء آخر .. لتجد في النهاية انك لا تعيش وحدك في جزيرة لا يعنيها ما يحدث حولها في المحيط المتلاطم الأمواج .. كلا بل كما يقال " العالم قرية صغيرة " و أن أي شيء يحدث في أي مكان في العالم قد يؤثر عليك سواء بطريق مباشر أو غير مباشر .. دعك من أن تكون أمريكا احد الأسباب أم لا .. تذكر أنفلونزا الطيور .. كم كنا نقول أن ذلك بعيد عنا .. لم يمض وقت إلا و لحقنا الضرر .. و ذلك ليس بالشيء الهين ...